خمسة ..


ينقسم القاريء الليبي حيال ما يكتب عامة – وما يكتب عن الفيدرالية خاصة – إلى قسمين رئيسين، الأول متحمس للقضية بشكل لافت، يقرأ بنهم وينشر باجتهاد  ويناقش باندفاع .. ويحرص على شد كل الحبال التي توافق ما يراه حلاً للمعضلات الليبية على أنواعها .. والثاني يرفض القراءة أصلا على اعتبار أن القضية كلها لا تتعدى كونها محض هراءٍ يلوح به الطامعون والانفصاليون والخونة والعملاء … إلى آخر الأوصاف ..

وبعد مرور ما يقرب من عام على مؤتمر سكان إقليم برقة الشهير بـ”مصنع الصابون”، والذي – إتفقنا معه أو اختلفنا – تمكن من المجاهرة بالمطلب الفيدرالي ووضعه بقوة على طاولة الخيارات السياسية الليبية، وتمكن – بحنكة منه أو بإخفاق من حكومة المركز – من حشد عدد يتزايد كل يوم من المناصرين للخيار الفيدرالي في كافة ربوع الوطن .. بل إنه تمكن من رفع مختنق المركزية على سلم الأولويات الوطنية – ولو نظرياً – وفتح المجال واسعاً أمام المجتمع الليبي لمناقشة هذا التحدي وسبل حلحلته ..

وبما أن مرحلة صياغة الدستور قد صارت تلوح في الأفق – أو هكذا هي الأماني – ، فإنه قد حان الوقت لرسم بعض النقط على حروف النقاش .. ولإيضاح عدة نقاط وجب طرحها بشكل موضوعي بعيد عن التشنج الليبي العتيد ..

أولى هذه النقاط هي أن الطرح الفيدرالي قد نضج خلال العام المنصرم بشكل يصعب إنكاره، وأن ملامحه الدستورية قد بدأت في الظهور بشكل مؤطر يسهل نقاشه على أسس المنطق والحكمة والوطنية، دون تحيز مسبق لأحد طرفي النقاش ..

 ودون شرح مكرر لميزات الفيدرالية وعيوب غيرها ، يمكنني هنا أن ألخص بشكل عام المعالم الفارقة في الدستور القادم من وجهة نظر المنادين بالنظام الفيدرالي \ الاتحادي، والتي ترتكز على الأركان الخمسة التالية:

1-      أن يكون للدولة الليبية برلمان متكون من غرفتين: مجلس النواب، ويكون التمثيل فيه متناسباً مع عدد سكان كل إقليم\مقاطعة .. ومجلس الشيوخ، ويكون فيه التمثيل متساوياً بين الأقاليم الثلاث .. على أن يحدد الدستور صلاحيات واختصاصات مجلسي النواب والشيوخ، على أن تحدد الأحكام الداخلية وعلاقة الغرفتين ببعضهما وفق الأعراف الدستورية المتعارف عليها ..

2-      أن يكون لكل إقليم أو مقاطعة مجلس محلي منتخب من سكان الإقليم، يقوم هذا المجلس بتعيين محافظ أو حاكم لهذه الولاية، ومهمته تشكيل حكومة محلية تقوم بتسيير الشؤون المحلية من تعليم وصحة واقتصاد وخدمات وأمن .. الخ

3-      أن يحدد الدستور صلاحيات الحكومة المركزية (الفيدرالية) والتي تعنى بالأمور السيادية (التمثيل الدبلوماسي، الخارجية، الدفاع، الجنسية، إصدار العملة .. الخ)، على أن يوكل ما يخالفها إلى الحكومات المحلية

4-      أن يكون للمجلس المحلي صلاحيات تشريعية تمكنه من سن قوانين تعنى بشؤون الحوكمة المحلية من اقتصاد وتعليم وصحة وبنية تحتية وما إلى ذلك، إلى جانب المصادقة على الميزانية المعدة من قبل الحكومة المحلية، الأمر الذي سيوفر المرونة اللازمة لخلق جو من التنافس الصحي بين الأقاليم على غرار هامبورغ وميونيخ، ونيويورك وفلوريدا، وأبوظبي ودبي .. وغيرها من الأمثلة في الهند وكندا والبرازيل وسويسرا .. إلى آخر القائمة الطويلة ..

5-      أن يتم توزيع الثروات السيادية بشكل عادل يضمن إحداث تنمية مستدامة في كل الأقاليم، بحيث يراعي التوزيع عوامل عدد السكان والمساحة الجغرافية معاً، مع تفضيل نسبي للمناطق المنتجة للنفط (والذي تنتجه الأقاليم الثلاثة)، وتخصيص نسبة ثابتة للحكومة الاتحادية لتوفير الغطاء المالي للمصروفات السيادية ومشاريع التنمية الاتحادية المشتركة

غير أنه من الواجب هنا إيقاف كل السجالات الدستورية عند نقطةٍ فيصل .. وهي أن الدساتير لا تكتب وتقر بمنطق المغالبة والأكثرية، بل بمبدأ التوافق الذي يحافظ على وحدة الدولة وعلى السلم الاجتماعي بها، وأن هذا التوافق وحده سيجنبنا حالة الاستقطاب التي نراها الآن في مصر حتى بعد إقرار الدستور ..

لذا فقد وجب أن يتم الاستفتاء على الدستور في كل إقليم من الأقاليم الثلاثة على حدة، وذلك تفادياً لتغليب كفة الميزان الديموغرافي لصالح الأقاليم المكتظة بالسكان،  وإقرار دستور لا يرتضيه سكان المدن والقرى البعيدة عن العاصمة، الأمر الذي سيهدد وحدة ليبيا وسلمها الاجتماعي .. وينذر بدخولها في نفق نهايته لن تكون بالضرورة حافلة بالنماء والازدهار .. وعملاً بالقاعدة القائلة أن أصول الديمقراطية تقتضي بأن يقرر الناس مصيرهم بأنفسهم .. ولو كانوا أقلية ..

*********

يقول ابن خلدون :

“إن العمران البشرى لا يتحقق إلا فى ظل العدل الاجتماعى، لأن الظلم مؤثر فى السلوك البشرى يضعف النفس ويجعل مزاجها مريضا، ويهدم قيم الخير فى الطبيعة النفسية، ويؤدى ذلك إلى الانقباض عن الكسب وذهاب الآمال فىتحصيل الأموال، فيقعد الناس عن العمل والكسب وتكسد أسواق العمران، ويخرج السكان من الأمصار فيؤدى ذلك إلى تراجع العمران وفساد الحضارات 

حفظ الله ليبيا

Ahmed Ben-Mussa

أحمد بن موسى

Follow me on twitter: @Ben_Mussa

Email: ahmed.benmussa@yahoo.com

https://benmussa.wordpress.com

https://www.facebook.com/sreeb.benmussa

11 responses to “خمسة ..

  1. رغم اعتراضي على التقسيم الثلاثية للولايات او المقاطعات او مهما كانت تسميتها لكن يستر الله!
    اعجبني استشهادك بابن خلدون… فقد صدق رغم فارق الزمان لكن حال الانسان هو الحال فلا يتغير مع الزمان!

  2. رائع استاذ احمد ,, هذا هو مطلبنا وهذا هو خيارنا , تقسيم الولايات او المقاطعات هذا متجذر في التاريخ الليبي وهو حاصل عندنا اليوم الفرق الاختلاف في الاسماء قبل كنا نقول برقه في عهد الطاغيه تحول الاسم الي المنطقه الشرقيه وكذالك في طرابلس وفزان ..
    بارك الله فيكـ وفي الوطنيين من أمثالكـ يغلبون مصلحة الوطن والشعب على المصالح الشخصيهـ والجهويهـ, ولايرتضون للظلم مكاناً ..
    موعدنا قآدم في ثورة تصحيح المسآر بوضع النقاط على الحروف وتطبيق هذا المطلب الذي حُرمنا منهـ في زمن المردوم ويستمر حتى الان في زمن معارضيهـ المستوردين والمتسلقين والمستفيدين ~ تحياتي لك

  3. كلام جميل وهات من يفهم ………………واللي واجعتني ان اللي مايبيش يفهم هم من انتخبهم بعض الشعب

  4. المهم النيه اذا كانت نوايا من انتخبناهم ووضعناهم على مستوى القرار نيه حسنه فحتما سيعملون بما تقترحه انت وابناء الوطن الشرفاء…واذا كان لهم نوايا خفيه لا نراها …حيتعبونا حتى وان لن يغلبونا

  5. انتهى بعد هذا المقال المكثير من السجالات الغير منطقية والمشحونة وال(غبية) ان جاز التعبير..لا نطالب الا بالحكمة عند اصحاب القرار.

  6. “مع تفضيل نسبي للمناطق المنتجة للنفط (والذي تنتجه الأقاليم الثلاثة)”

    هذا هو لب الموضوع وبقية الكلام عبارة عن قالب, كيف تكون دولة ولا توزع الايراد بالتساوي على أقاليمها؟ هل لتاكساس نصيب الأسد من ايراد النفط الأمريكي؟

    للابتعاد عن شبح التقسيم فلتكن الولايات مخالفة لحدود ماقبل التوحيد, ومقترح عشر ولايات هو الأقرب للتطبيق, بالاضافة إلى أن حل الثلاث ولايات لن يلغي المركزية بل يستبدل حكومة مركزية واحدة بثلاث حكومات مركزية وأفضل مثال هو مدينة الكفرة التي تقع على نفس المسافة من بنغازي ومن طرابلسِ

    الموضوع لا علاقة له بالتهميش, فلبرقة نصيب الأسد من جميع الحكومات التي تعاقبت على ليبيا بعد القذافي وبالأخص حكومة زيدان (٩وزراء), أضف لذلك رئاسة المؤتمر والأركان, أضف أيضا ميزانية طوارئ “فوق الحساب” ١٠٠ مليون دينار, أضف أيضا ميزانية لجامعة بنغازي أكبر حتى من جامعة طرابلس ١٦٠ مليون دينار, أضف كذلك ميزانية لوكيل الداخلية بالمنطقة الشرقية أكبر من تلك المخصصة للغربية وتساوي ١٣٠ مليون دينار…ولو أخذنا في الحسبان أن تعداد سكان المنطقة الغربية أكبر من الشرقية بحوالي مرتين, فإننا لانجد مناصا من أن نتساءل: أين التهميش؟

    الموضوع يتعلق بالنفط مهما أنكروا, بدليل مطالبتهم بضم حوض سرت لبرقة بحجة أن مناطق نفوذ قبيلة المغاربة هي ملك لبرقة, منطق بدوي بالي قائم على مبدأ الغزو, هم قد احتلوا مرفأ نفطيا قبل حتى عرض مطالبهم ويدعون أن الموضوع لاعلاقة له بالنفط

  7. الى كل من يتشدق بمبدأ الفدرالية و يقارن بدول فدرالية ،،، نحن من دول العالم الثالث و ذو بداوة عادات خاصة لا نقارن بأمريكا أو الدول التي على شاكلتها بل نقارن بالفدرالية النامية الان في العراق انضروا و اعوا ما يحصل في اكبر دول العالم انتاجاً للنفط و حال مواطنيها الذين و بكل المقاييس تحت خط الفقر ، و حال النفوذ الايراني .
    الان في ليبيا يوجد عديد الدول المجاورة تنتظر الفدرالية بفارغ الصبر ، و سترون حكومة برقة بعد مدة من السنيين بيد من و حومة فزان بعد عدة سنيين في يد من القرار .و لكم الحكم.

أضف تعليق